الإيغال في الخيال يمنح الفكر والحيوية

إذا كان الفكر الإجتهاديّ الإبداعي هو ما نقترحهللدعاة: فإن من تمام النصيحة أن نغريهم بممارسة التأمل الحرّ والتوسع الافتراضي،وتكثير مداخل كل قضية ومخارجها وما بين ذلك من بدائل ومتماكنات،وتقليل الشروط الجازمة،ورفع القيود عند الإبتداء واللجوء إلى استنباطها كاستدراك عند الإنتهاء،وقبول كل مداخلة طارئة والإقتناع باحتمال صوابها،وتغيير أنساق القيم تقديما وتأخيرا،وتبديل المقادير التي تحتويها كل قيمة ورؤية أثرها في النتيجة،والتردد بين الوصفين العقلاني والعاطفي،فإن من ثنايا هذه التغيرات والحركات يكمن الصواب،والطريق إليهيكمن في تجريب النظر إلى الشيئ من زوايا عديدة،وتلك هي آلية الوصول إلى الإبداع،ويجمع كل ذلك (الخيال)الواسع،فإنه أساسالفكر إذا أراد التجدد،والاجتهاد كله إنما تتضمنه عملية خيالية تتقدم على عملية الاستقرار على رأي يتطور إلى المبدأ،وهذه الفاعلية للخيال حقيقة اكتشفها السلف واستقبلناها نحن الخلف بنوع شك وتخوف،ومشينا معها على استحياء،إذ يتطلب الأمر يقينا وجزما وجرأة وأما الشاعر فيبشر به:
لولا الخيال لكنا اليوم عدم ولا انقضى غرض فينا ولا وطر
كأن سلطانها إن كنت تعقلها الشرع جاء به،والعقل والنظر
من الحروف له كاف الصفات فما تنفكّ عن صور إلا أتت صور
وقوله (كاف الصفات) بمعنى كافي الصفات وحذفت الياء للضرورة الشعرية،والأبيات ذكرها الفيروز آبادي،والشاع إنما يتحمس للخيال هنا لأنه المعنى الذي يقرب للعقل الأيمان بالعقائد الغيبية،ولا يجعلها هذا الغرض المفيد نزهد به فيما سوى ذلك بل هو المدخل أيضا لتقريب الاجتهاد في الحلال والحرام وآثار الأحكام.مثال الأمر العقيديّعالم البرزخ:معقول في نفسهوليس إلا خيال،فإنك إن أدركته وكنت عاقلا:تعلم أنك أدركت شيئا وجوديا كأنك وقع بصرك عليه،وتعلم قطعا بدليل أنه ما ثم شيئ أصلا،فما هو هذا الذي أثبتّ له وجودية ونفيتها عنه في حال إثباتك إياها؟فالخيال لا موجود ولا معدوم،ولا معلوم ولا مجهول ولا منفي ولا مثبت) أما الخيال الذي يستنبط حكم الحل والحرمة: فأمره أظهر،لأنه يحوم حول محسوسات،من مصالح واستقرائات مقاصدية،وجاله العلمي لذلك أقرب.
*من يزعم المشاركة في الصناعة الفكرية:يلزمه أن يطلق لخيالاته العنان،وأن يسبح في آفاق التصورات،وأن يقترب من المستحيل حتى إذا قاربه:يرجع ناكصا غير خسران ثم أن يقتحم المجهول ويتسور الأسوار ويمشي في المجاهل شجاعا كأنه يسير في الأسواق لأن الفكر إذا لم نسبق إليه طريفا بار وعافه الناس والبواكير تستبد بالثمن ثم عند الحصاد يكون الرخص